mercredi 10 septembre 2014

الهدر المدرسي ..

تقديم
إن مشكل الهدر المدرسي و بدون شك يؤثر على المجتمعات و الجماعات في العالم بأسره. نتائجه خطيرة و خطيرة جدا فهو يؤدي الى انتشار الأمية ، البطالة ،الجريمة في المجتمع، وهدر الموارد المالية للدولة. إن الهدر المدرسي له تأثيرات مباشرة على القدرات الاقتصادية للمجتمع، مع وجود تأثير كبير على الناتج الداخلي للدولة. هذه الإشكالية تقتضي اهتماما خاصا، وذلك بفهم أسبابها ونتائجها الشيء الذي سيمكن من إيجاد حلول مناسبة لها.
من خلال هذا الملحق التربوي لمجلة التربية نت سنسلط الأضواء حول إشكالية الهدر المدرسي ، و إبراز أبعاد هذه الظاهرة و أسبابها الرئيسية وسبل حلها مع ادراج مواضيع مستجدة حول هذه الظاهرة مثل دفاتر التتبع الفردي.
ماذا نعني بالهدر المدرسي؟
ا لهدر المدرسي من المصطلحات الفضفاضة التي يصعب تحديدها لاعتبارات عدة. أولاها تعدد المسميات لنفس المفهوم و اختلاف الكتابات التربوية في المنطلقات الذي يوصل إلى الاختلاف في فهم الظواهر، و بالتالي الاختلاف في توظيف المصطلح

أحيانا نتحدث عن الهدر المدرسي و نعني به التسرب الذي يحصل في مسيرة الطفل الدراسية التي تتوقف في مرحلة معينة دون أن يستكمل دراسته. لكن نفس الظاهرة يرد الحديث عنها في كتابات بعض التربويين بالفشل الدراسي الذي يرتبط لدى أغلبهم بالتعثر الدراسي الموازي إجرائيا للتأخر. كما تتحدث مصادر أخرى عن التخلف و اللاتكيف الدراسي و كثير من المفاهيم التي تعمل في سبيل جعل سوسيولوجيا التربية أداة لوضع الملمس على الأسباب الداخلية للمؤسسة التربوية من خلال إنتاجها اللامساواة

إلا أننا بشكل عام نتحدث عن الهدر المدرسي باعتباره انقطاع التلاميذ عن الدراسة كلية قبل إتمام المرحلة الدراسية أو ترك الدراسة قبل إنهاء مرحلة معينة
و كيفما كان التعريف الذي نرتضيه لهذه الظاهرة، فإننا يجب أن نعترف أننا أمام ظاهرة تؤرق المجتمعات العربية بشكل عام. فهي تحمل كل مقومات الفشل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى المجتمع. و هي من العوامل القادرة على شل حركة المجتمع الطبيعية و تقهقره عائدة به إلى عتمة الجهل و التخلف و الانعزالية بعيدا عن نور التطور و مواكبة لغة العصر في التقدم و الانفتاح
حجم الإشكاليةمن خلال البحث الذي قامت به منظمة اليونسكو سنة 2004 تبين أن نسبة الهدر المدرسي مرتبطة بالناتج المحلي، ولهذا دول الخليج مثلا والتي تتميز بإقتصاد جيد بعائد إجمالي أكبر من 5000 أورو. هذه البلدان نسبة الهدر المدرسي فيها هي أقل من 3% فيما يتعلق بالسنة الخامسة من التعليم الابتدائي. أما بالنسبة للمغرب و موريتانيا اللذان يتراوح عائدهما الاجمالي بين 3350 أورو و 1750 أورو،فــإن نسبة هدرهما المدرسي في السنة الخامسة من التعليم الابتدائي هو ما بين 6% و 22% . وجب الاشارة إلى وجود استثناء مثل فلسطين والأردن. 
إن الوسط القروي هو الأكثر تعرضا لظاهرة الهدر المدرسي أكثر من غيره. أما في الوسط الحضري:بالنسبة للأحياء الشعبية حيث الوضع الإقتصادي ضعيف، نجد ظاهرة الهدر متزايدة مقارنة مع الأحياء الأخرى.
في الحقيقة مشكل المغادرة المبكرة للمدرسة هو معقد جدا و المعقد اكثر هو تحديد الأسباب التي تؤدي إلى مغادرة التلاميذ لمدارسهم. يقول السيد الشداتي مستشار اليونسيف : "عندما نلاحظ عامل يخص عدد كبير من التلاميذ الذين يغادرون الدراسة فهذا لا يعني وجود رابط السببية بين العامل و القيام بالمغادرة".
إن البحث الذي قامت به اليونسيف ، يوضح الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي ، و قد قسم هذا البحث هذه الأسباب الى أسباب مدرسية و أسباب غير مدرسية.
أسباب الهدر المدرسي*الأسباب غير المدرسية: هي التي يصعب تحديدها لأنها تتعلق بالظروف الشخصية للفرد و التي تتعلق بظروف إجتماعية و إقتصادية.
الأسباب غير المدرسية يمكن تلخيصها في ما يلي:
- ضعف الدخل المادي للاسرة
- تشغيل الأطفال
- الوضع الصحي للطفل
- المشاكل العائلية : الطلاق، الشجار بين الأزواج 
- أمية الآباء
- رد الفعل السلبي للآباء اتجاه المدرسة
- بعد المدارس عن المنازل
- الزواج المبكر عند البنات.
* الأسباب المدرسية: لها علاقة بالنظام التربوي السلبي الذي يعوق التلاميذ عن متابعة الدراسة.
الأسباب المدرسية يمكن حصرها فيما يلي:
- الفشل في الدراسة
- سوء العلاقة بين المعلم و التلميذ
- ضعف الوسائل البيداغوجية
- ضعف البنية التحتية للمدارس
- الغياب المتكرر للأستاذ
- الإحباط
- قلة الأنشطة الترفيهية
- ضعف المؤهلات لدى مديري المؤسسات
- قلة التكوينات الخاصة بمديري المؤسسات
- عدم ملاءمة التكوينات الأساسية للأساتذة مع متطلبات المدرسة و التلاميذ.
إن الأسباب الغير مدرسية تجعل ولوج التلاميذ الى المدرسة أمرا صعبا ، أما الأسباب الدراسية فهي تجعل الأطفال غير مهتمين بالمدرسة.
و الأمر الأكثر تعقيدا هو أن الآباء لا يرون في المدرسة سوى مؤسسة لتخريج المعطلين عن العمل، فالحصول على شهادة عليا لا يعني بالضرورة الحصول على عمل محترم.
ما هي نتائج الهدر المدرسي ؟
أول نتائج الهدر المدرسي هو انتشار الأمية بين الشباب: النتيجة المباشرة للأمية هي من دون شك عدم الوعي والبطالة التي من شأنهما أن يولدا لدى الشباب الرغبة في الهجرة الى أوروبا -الحريك- ،أو الرغبة في الربح السريع عن طريق القيام بأنشطة غير مشروعة. باختصار الهدر المدرسي و البطالة هما سببان رئيسيان في انحراف الشباب. الشيء الذي يؤدي الى إنتشار الجريمة و ارتفاع مصاريف الدولة فيما يتعلق بتأسيس نقط للمراقبة وأيضا لإنشاء مؤسسات إصلاحية لإعادة تأهيل هذه الشريحة.

ظاهرة في مثل تعقد الهدر المدرسي، يصعب تحديد أسبابها بشكل محدد. ذلك تداخل فيها ما هو ذاتي أو شخصي بما هو اجتماعي لينضاف إليه ما هو اقتصادي.
- يبقى الجانب الأسري من الأسباب الأكثر إلحاحا، باعتبار الأسرة صمام الأمان لحياة الطفل بشكل عام. فحياة الطفل تبقى مستقرة مادام الوضع العائلي كذلك، و ما أن يحصل أدنى توتر في العلاقة بين الآباء حتى تتحول حيات الأطفال إلى كابوس. فالطلاق و الخصام المستمر بين الأب و الأم يخلق لدى الطفل حالة من الرغبة في إثارة اهتمام المحيط في أهميته داخل بنية العائلة. و قد يكون ذلك بمزيد من الشقاوة و الجنوح و التهرب من المدرسة و واجباتها. الذي الذي يؤدي بشكل آلي إلى التكرار المستمر و بالتالي الانقطاع عن المدرسة وسط غياب الاهتمام لدى الأسرة و متابعتها لمسيرة الطفل الدراسية

- و في نفس الإطار نلح على أن انشغال الأب أو الأم أو هما معا بمتاعبهما داخل الشغل و قساوة العيش و صعوبة توفير العيش الكريم يؤدي بهما إلى عدم المتابعة اليومية لعمل الابن و عدم إلحاحهما على بذل مجهود إضافي من أجل التوفق الأمر الذي يدفع الابن إلى الإيمان بلا جدوى العملية برمتها فيعلن تمرده من التعليم

- للوسط الذي ينشأ فيه الطفل له هو الآخر تأثير على مستوى تحصيل الطفل و بالتالي استمراره أو توقفه عند مرحلة معينة من التدريس: فالأسرة التي يكون أفرادها أميين لا يعيرون اهتماما للعلم لا يتخرج منها في الغالب الأعم إلا أطفال يقنعون باليسير من العلم ما دام مثلهم الأعلى هذه حالته. و من جانب آخر، تلعب العادات و التقاليد دورا هاما حيث نجد عائلات في العالم القروي لا تقبل على تعليم البنات. و في أحسن الأحوال فإنها تقبل على استكمالها مرحلة التعليم الابتدائي لتقف مسيرتها الدراسية عند هذا الحد. مادام بيت زوج المستقبل هو مآلها.

- و في ارتباط بالوسط، نشير هنا إلى رفقة السوء التي من الممكن أن تؤدي بدورها إلى الانقطاع عن الدراسة. حيث يتأثر الطفل بأصدقائه غير الراغبين في الدراسة. فيبدأ في التراخي في إنجاز دروسه و تكاسله و ربما غياباته المتكررة. مما يؤدي بالمدرسة إلى اتخاذ قرار بفصله وقد يحدث ذلك بشكل تلقائي. و تزداد خطورة هذا العامل إذا انضاف إليه عامل آخر يتمثل في الفهم الخاطئ للأبوين لحب الابن فيبالغان في تدليله و تلبية كل رغباته دونما خضوعه لمحاسبة

- الفقر الذي قيل عنه أنه كاد أن يكون كفرا قد يكون سببا في الانقطاع عن المدرسة، حيث ارتفاع تكاليف الدراسة من واجبات التسجيل و شراء الأدوات و الملابس و ربما البحث عن مسكن في بعد المدرسة عن مقر سكنى العائلة و عدم استفادت التلميذ من منحة دراسية تمكنه على الأقل من المبيت داخل أسوار المدرسة. و قد يكون الأب في حاجة إلى من يساعده في تحمل متاعب الحياة فيزج بابنه في عالم الشغل بدل البحث له عن مقعد داخل المدرسة..

- و قد نسترسل في ذكر الأسباب المرتبطة بالمجتمع و مدى اهتماهمه بالعلم و بشخصية التلميذ ذاته... لكن ألا يحق لنا أن نتساءل عن إمكانية أن تكون المدرسة من العوامل المنفرة من العلم و الدراسة و بالتالي قد تكون هي الأخرى سببا من أسباب الهدر المدرسي؟

وقال أحد الفاعلين في الحقل التربوي في تونس "علينا التسريع في إصلاح المنظومة التربوية وتحسين تأطير الشباب التونسي الذي  يضطر بسبب تدني مستوى العيش وانسداد أفق التشغيل إلى الانقطاع عن الدراسة وخوض عديد من التجارب الغير الآمنة على غرار ممارسة التجارة الموازية أو مغادرة البلاد في رحلات للهجرة غير الشرعية أو الانخراط في تيارات متطرفة".
وأشار إلى أن هؤلاء المتطرفون يتصلون بالشباب في مدارسهم.
وقال  "هناك الأنشطة والخيمات الدعوية التي تنظمها جمعيات تابعة لتيارات دينية متشددة أمام المؤسسات التربوية على طول السنة الدراسية المنقضية على مرأى ومسمع من الجميع".
وأضاف "الخطب الداعية إلى التطرف والكراهية دفعت بعشرات الشباب إلى الذهاب إلى الجهاد في سوريا بالإضافة إلى التصريحات المنددة بالاختلاط في المدارس بين الأولاد والبنات".
ارتفاع نسبة انقطاع التلاميذ عن الدراسة يثير اهتمام كافة الأطراف. وحسب الهادي السعيدي المسؤول بوزارة التربية فإن الحكومة "بصدد القيام بدراسات للوقوف على أهم أسباب هذه الظاهرة وسبل القضاء عليها نهائيا".
لكن منية الفرجاني التي تمارس التدريس منذ سنوات طويلة ترى أن ارتفاع نسبة الانقطاع غير مفاجئة.
وقالت "شخصيّا توقّعت الأمر. فالعامان الدّراسيّان اللذان عقِبا الثورة كانا عصيبيْن على المنظومة التربويّة برمّتها، وطبيعي أن يكون أوّل المتأثرين جمهور التلاميذ نظرا لصغر السنّ وقلّة الخبرة في التعاطي مع المتغيّرات".
محمود الجديدي وهو أستاذ شاب قال إن التلاميذ اليوم ينقصهم "التحفيز بسبب الاعتقاد الشعبي الشائع حول ضعف الأفق".
وأضاف "لم يعد رجل التربية قدوة الشباب وإنما لاعب كرة القدم الذي يباع ويشترى بالملايين".
مراد اليحياوي، البالغ 16 عاما، هو أحد الشباب الذين قرروا الانقطاع عن الدراسة.
وقال اليحياوي لمغاربية "أنا الآن أجمع فواضل البلاستيك التي توفر لي مدخولا يوميا. فالدراسة لم تعد تستهويني خاصة مع رفض والدي تحمل أعباء مصاريفها".
فمصاريف الأدوات المدرسية حتى في المدارس الحكومية باتت مشكلة مستعصية.
وأعربت نقابة الأساتذة من جهة أخرى عن رفضها "لأي شكل من الأشكال الماسة بمقدرات أبناء الشعب على تحصيله العلمي والمعرفي".
المصدر: درسات و بحوث


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire